Thursday, July 22, 2004

في الهيكل



سرت بين الناس المصلّين ، فوجدتهم فرقاً ... كلّ يقول أنا الطريق ، وأنا الحقّ ، والأصل ... يقفون في المكان نفسه ، ويرفعون صلواتهم الى اللّه ، جاهرين بإيمانهم بالفادي المسيح ... كلّ يقول أنا الطريق ، وأنا الحقّ ، والأصل ... ويرفض الآخر ، ويمنع الخلاص عن الآخرين ... ولا يكون صالحاً إلّا مع من يتّبعه ... وأبشع ما يمكن تخيّله ، هو الخلاف حول العذراء ، والرسل القديسين ... من يصلّي لها ولهم ، ومعنى الشفاعة ...فتحوّلت الصلوات ، والتبشير إلى نكدٍ ، ومشاكل ، هي التي هدفها الوحيد السلام ...لا بل راح كلّ منهم يكيد للآخر ، ويسقطه ، فأضطهد المسيحيون بعضهم ... فصرخت ، أنا الغارق في هذه الجلبة من على أعلى قمّم الأرض ، حيث ربض هيكلٌ كبير ، صنعته الأيادي بما حملته أكتاف المؤمنين بالّله وليس بالحجر ...
استدرت ، فوجدت قطرة ندىً كانت صعدت كما في كلّ يومٍ مع الورود ، لتشترك مع العبير ، والصلوات والتراتيل في تمجيد وتقدير من جبل هذه الأرض ، وما عليها ...
من حيث ربضت العظمة ، معانقةً الخشوع ، والتواضع ، حملت القطرة ، التي ما إن تحوّلت ، حتى نظرت صوب المتبجّحين بالعلم والمنطق ، مَن كبرياؤهم أهمّ من اللّه وإخوتهم ، وقالت :إلى متى تبتغون المواربة ، متّبعين تعاليم الناس لا تعاليم الّله ؟...إلى متى ستستمرّون بتأويل الكلمات ، وتحوير المعاني ؟ أما علمتم أنّه يوم بدأتم بالفلسفة ، خسرتم كلّ شيء ...أما عرفتم يوماً أنّ المعنى واحدٌ وهو المحبّة ، والهدف واحدٌ وهو الوصول إلى الّله ؟...فمن لا يحبّ أخاه لا يحبّ الّله ...ومن يحبّ لا يدين ... لا يهزأ ... يغفر ، ويصحّح لأخيه إن أخطأ ، ولا يدمّره ... ومن لا يفعل ذلك ، ليس الّله ربّه ...
ديننا هو الرحمة ، البساطة ، والتواضع ...لقد حذّركم الربّ للابتعاد عن المناقشات لأنّها تؤدّي حتماً إلى الخصومات ...وها أنتم اليوم مئات الفروع ، وكلّ فرعٍ مئات الأقسام ... وكلٌّ يدين الآخر ، ويعظّم نفسه ؟...كلّ يقول أنا الحقّ ، والباقون باطل ...أما عرفتم أنّ الّله وحده هو الحقّ ، وكلّ أعمال البشر والشياطين باطل ؟...
وأمّا العذراء والقديسون ، فلم يكونوا يوماً لإقتسام الغلّة مع الربّ ... وهذا أكيدٌ لأنّ ما لهم وما يجمعونه كلّه للمسيح ... والطريق إلى اللّه هو السيد المسيح وحده ، وأمّا هم فقد سلكوا هذا الطريق ، وكانوا مثلاً أمام ناظركم ...فاعلموا أنّ العذراء والقديسين يرفضون أن يكونوا سبب خلافٍ بينكم ...لكنّكم تفنّدون الكتب دون فهمها ... ولن تستطيعوا يوماً ذلك لأنّكم لم تقرأوها بقلب طفلٍ ... لأنّكم لا تريدون المسيح ... بل تريدون بدعاً وأفكاراً شيطانيّة تفصّل لكم الربّ حسب أذواقكم ...
فما هذا الذي تفعلونه ؟ وماذا تنتظرون ؟...شذّبوا الكنيسة ، لأنّ كثرة فروعها وأقسامها تحدّ من علوّها ومجدها ...اتركوا كلّ شيء ، واتبعوا الّله قبل فوات الأوان ، كلٌّ في عمله ، في بيته ، في كنيسته ... ولتكن الوحدة وحدة قلوبٍ لا وحدة آراء ... فلكلّ قسمٍ رأيه ، ولكلّ شخصٍ رأيه ، ولن تتحد الآراء يوماً ...لتكن الوحدة في الإيمان لا في الطقوس ... وإن كان لكلّ قسمٍ طقسه ، ولكلّ إنسانٍ طقسه والصلاة التي يحبّ ...
واعلموا أنّ الربّ لا يدين بحسب الرأي والطقس والقسم والفرع ، بل يدين بحسب الإيمان ...والصلاة والعبادة ليست لاستحقاق المكافآت من الّله ، فلا يأخذ من يسير ميلاً حافياً أكثر ممّا له ، ولا يخسر من ركع في مخدعه محبّة الّله ...
شربت القطرة ، فغاصت أجزاؤها فيّ ، فرحت أقول : نعم اللّه يحبّكم جميعاً ... نعم جميعاً ... فتجمّعوا حوله ، واتحدّوا بمحبّته ...

No comments: