Thursday, July 22, 2004

الحقيقة


كان يجول في خاطري دوماً سؤال : أين هي الحقيقة من الناس ؟... وكنت أعرف أنّ الضمير ينكّد عيش المتعدّين عليها ... لكن يبقى وخزه على الدوام ، أخفّ ممّا يزرعه الخوف من وساوس ، وما يرغم الإنسان على الإقتناع به ... فما هي هذه الحقيقة ؟... وهل هي حقيقة ؟...
فحُملت ، واستقرّيت أمام قبرٍ ، فاستغربت ... لكّني ما لبثت أن رأيت قطرةً ، متعلقّةً بزهرةٍ زرعت فوقه ... فحملتها ، قائلاٍ : سلام ...
فقالت :لكلّ البشر ...
قلت :لمن هذا القبر؟...
فقالت :لأوّل وآخر رجلٍ قال الحقيقة ، وقتل لأجلها ، ولأنّه كذلك لم يسكُنه يوماً ؟...
فخلعت نعليّ وخشعت ، لأنّي عرفت صاحبه ... ثم ما لبثت أن غطّيت وجهي بكفيّ ... وصمتت ... فأعقبت قائلةً :الحقيقة هي التي تنير عقولكم وقلوبكم ، ويطفئها جهلكم وبغضكم ...
هي في قلب الّله ، وكما أنّ قلب الّله أزلي كذلك تبقى هي أزليّة...
هي حبّةٌ من سلسلةٍ ، تسقط كلّ أجزائها إن ضاع جزءٌ ... فما من محبّةٍ دون الحقيقة ، وما من قوّةٍ دون الحقيقة ... ومع ذلك وجدت بينكم من كان أعمىً عنها ، وكان فارغاً لأنّه لا شيء يعنيه ... ومنكم من تعامى عنها ، وكان حزيناً لأنّه كان يخافها... ومنكم من أعمته بقوّة نورها ، وكان كئيباً لأنّه لم يرَ إلّا النور وبقي اللب بعيداً عنه ...
فقلت :ولماذا تؤلمنا الحقيقة ؟ ...
قالت :الحقيقة ، خيطٌ في رأسه الإنكشاف إبرة ... يحيكها ملائكة اللّه حول جراح أرواحكم ، التي خلّفتها الخطيئة ... فتؤلمكم ، لكنّها تقودكم حتماً إلى الشفاء ... هي تؤلم اللّه أيضاً لأنّكم جعلتموها إكليلاً من الشوك ، هو الذي لا يفكرّ إلّا بما يعطيكم من خيرات ... فهو ليس قوّةً ظالمة تسحق الناس ، بل بالعكس هو قوّةٌ رحومة ، هو قاضٍ عادل ، لكنّكم أيّها الناس تخافون من القاضي العادل ، لأنّكم تعرفون القوانين وتسيرون عكسها ... فالسماء لكم مجّاناً ، وأنتم تدفعون ثمن ما هو شرّير ...
ثم فردت أجنحتها ، وحطّت في أحاسيسي ، فبكيت قائلاً :
سامحني يا ربّ لأنّي أنسى آلامك عندما تغويني الخطيئة .
سامحني يا ربّ لأنّي لا أذكرك أبداً إلّا عندما أحتاجك .
سامحني يا ربّ لأنيّ صرت بجسدي معبداً للشر .
سامحني يا ربّ لأنّي كلّما حاولت الاقتراب منك توقفني العوائق .
سامحني يا ربّ لأنّي أعيش في عالم جفّفت فيه المادة إيماني .
سامحني يا ربّ لأنيّ إنسانٌ ضعيفٌ بدونك أمام الحقيقة .
سامحني يا ربّ وساعدني لأبكي إن أخطأت ، علّ بكائي يشفي الجراح التي جعلها كوني إنساناً في قلبك ...

No comments: