Thursday, July 22, 2004

في القلعة


خرجت من مسكني ، ورحت أزور المناطق كما سيّرتني إرادة ربّي ... وكانت المدينة الأولى ، فوجدتها متخبّطةً في الضجيج ، والضياع يملأ دورها ، والرتابة تنهش أبناءها ... وأمّا دينها فكان الكفر ... فرحت أصرخ حزيناً : كيف أساعدك ؟... ماذا أقول أنا الأخرس ، وماذا أفعل ؟...
فحملني حزني إلى قلعةٍ بناها بنو البشر ليحموا أنفسهم من بعضهم ... وكانت قديمةً جدّاً ، فلم يبقَ منها إلّا حائطٌ صغيرٌ قبالة البحر ...وكانت قطرة ندىً تحطّ رحالها على حجارتها الباردة ، لتغسل عنها الدماء والآثام ... فلامستها قائلاً : أتساعدينني ؟...
فصرخت في الأرض قائلةً :أين جبروتك أيّتها السهام ؟
أين قوّتك أيّتها السواعد ؟
أين عظمتك أيّتها الحجارة ؟كلّك صرت إلى الفناء ... فلو أنّك سمعت كلمة إله السلام ، لما كان لك يوماً أعداء ... لكنّ نفسك عدوّتك ، وبمقتك وكرهك دفنت نفسك ...لو أنّك أصغيت إلى ربّ المحبّة ، لسجّلت اسمك في سفر الخلود ... لكنّك آثرت أسفار التاريخ ، ليمجّدك أبناؤك المتعطّشون إلى الوحشيّة والدماء ... فنسيت أنّ أسفار التاريخ تموت مع البشر ، ولا يبقى لك إلّا النواح وصرير الأسنان ، عندما لا ينفع ندم ولا تقبل طلبة ...
ثم نظرت إلى بيوت البشر المبنيّة في حمى حائط الزوال ، وقالت :
وأنت أيّتها المدينة ، تعلّمي واتّعظي ... ها هو الخراب أمام عينك ، وتاريخك يثبت أنّ حضاراتٍ أقوى منك بكثير ذهبت مع الريح ...
فابتعدي عن الكذب والتملّق والخداع ... ابتعدي عن الزنى ...عودي فاركعي خاشعةً لربّك ، ولا تدعي المعيشة وهمومها تبعدك عن الحقيقة ...
انظري إلى النور فهو فوقك ...
ارفعي رأسك نحو السماء ، ولا تبقي شاخصةً إلى أصنامك الفانية ...عودي إلى الطهارة ...عودي إلى البراءة ...عودي إلى الإيمان ...
ثم قفزت إلى وجداني ، وراحت تربّت أكتافه وهي تضحك ... وأمّا صدى صوتي فكان يجوب في المدائن ، قائلاً : توبوا فقد اقترب ملكوت السماء ...

No comments: