Friday, July 23, 2004

الخلاص


كنت دوماً مسرحاً لصراعٍ غريب ، فقد كنت أكره الشر ، ولا أعمل أبداً سواه ... وكلّما سقطت ، أنطوي على نفسي ، أحزن ، وأبكي ... حتى أنّي انتقمت من جسدي وروحي مرّاتٍ ومرّات ... وباختصار ، كلّما أخطأت ، كانت حياتي تتحوّل جحيماً ...
حاولت كثيراً الوقوف في وجه الشر المرتفع عليّ ، لكنه كان ينتصر دوماً ، فماذا أفعل ؟...
فحملني سؤالي إلى ديرٍ قابع في إحدى الأودية العميقة ، المحيطة بقريتي ... وجدتها على الصليب ... وعندما صارت في يديّ طفلةً ، حييتها قائلاٍ :سلام الربّ ...
فردّت :على كلّ الأرض ... ثم أعقبت قائلةً : إنّ الإرادة نافعةٌ جدّاً ، لا بل وفعّالة ، لكنّها أبداً ليست الخلاص ... وليس فيها الحلّ لدحر قوّة الشرّير ومغرياته ... فمقابل الإرادة تقف التجربة ، وقوّة الأخيرة تكبر مع الأولى ، إلى حين وقوع الإنسان ...أمّا الخلاص الحقيقي ، فهو من الّله ، الذي يرسل روحه القدّوس فيسكن فيك ، باعثاً في كيانك سعادةً لا توصف ...
فبدل أن يدخل بريق المادّة عينيك ويعميهما ، يخرج النور من عينيك ، فترى حقيقة كلّ ما حولك ، وتعرف تفاهة كلّ ما في هذا العالم ... مدركاً قيمة الحياة الحقيقيّة ، الّله فيك ، وأنت في قلبه ...
لذلك ما من إنسانٍ يخلص من ذاته ... ولن يخلص إن لم يفتح باب قلبه المتحجّر بالمادّية ، والغارق في الهموم ، المسودّ بخطيئته ، الحزين بضعفه ، والكسول بخوفه ... لن يخلص إن لم يفتح لمن يقرع دوماً بطريقته القتاليّة المعهودة ... لمن يعدّ في كلّ ليلةٍ عاشقيه وأتقيائه ، ويخرج من سماء ملكه بحثاً عن التائهين ... ولا يكنّ ، ولا ترقد له عينٌ قبل أن يرى الجميع في حظيرته ...
ما من إنسانٍ يخلص إن لم يؤمن بمن نزل من سمائه ، وعاش بين الناس ، عرف ضعفهم ، وصلب عن خطاياهم ... نعم صلب عن خطاياهم هو البريء من كلّ خطيئة ... ففدى جنسهم ، وأعتقهم من العبوديّة لأوثان نفوسهم ...
فلا تحزن بعدُ ، لأنّه ما من خلاصٍ بالأعمال ، بل بالإيمان ... أمّا أنت فقاوم بما أعطاك اللّه من قوّة ، لكن عندما تسقط ، قم وأطرد الشيطان منك ...
ثم برقت ، عندما رفعت الشمس المستيقظة يديها فوق الغطاء الجبلي ، وسبحت مع النسيم روحاً ، فشربتها بأنفاسي ...
فوقفت متعجّباً من معرفتها ، وقلت في نفسي :إن كان لصغير في ملكوتك هكذا حكمة ...فكيف تكون وأنت نبع الحكمة ؟...وفي تلك اللحظة غلبني النعاس ، فنام جسدي على الأرض ، وحلّقت روحي جذلةً ، وهي تقول : سبحانك يا ربّ ، يا مخلّصي ...

No comments: