Friday, July 23, 2004

الغفران


عندما لسعتني الخطيئة ، صرت أمقت كلّ شيء ...
حتى نفسي صارت تخشى النظر في المرآة كي لا ترى بشاعتها ...
وككلّ إخوتي ، رحت أبحث عن منفثٍ للآلام ، فقرعت أبواباً كثيرة ، لكنّ واحداً منها لم يفتح ... فقلت حزيناً : أعطاني الّله ميراثي ، فأهدرته على الفسق والزنى ، وها أنا أعيش مشرّداً ، ومن حولي تدور رحى الحرب ، والرعب والدمار في كلّ مكان ...
خسرت كلّ شيء ...فرحت أركض هارباً ... فمزّقت رجلي الحصى والأشواك ، ودمائي شربت منها الأرض التي ولدتني ...
وكنت أقول دوماً ، لا بل أتمنّى :أيستقبلني بعدُ أبي الساكن في مجده وملكوته ، بعدما تخلّيت عنه بمعصيتي ...
أيقبلني خادماً حقيراً ، فأعيش على فضلات المحبّة والسلام المتساقطة من خدّامه ...
لكن قد يكون كتب لرأسي ، أن يبقى منحنياً إلى الأبد ...
وبينما كنت نائماً في ليل خطيئتي ، قُرع باب قلبي المهترئ بالمذلّات ...
فرحت أقول :ليس لديّ ما أقدّمه لك ، فأنا معدم الجسد والروح ، لا أنفع لشيئ ..
.ثم قلت في نفسي :أيعقل أن يكون الطارق يحمل شيئاً يبلّ به عطشي إلى الحياة ... لكن ، من يسأل عني أنا ، فقد أهملني الجميع ، بل حتى صرت عالةً عليهم ، والأفضل لهم قتلي ... والطرقات بدأت تتزايد وتيرتها ، فبدأ الخوف يسري في عروقي ، ورجلّي ويديّ انشلّت ، فلم أعد أقوى على الحراك ... ثم بدأت عيناي بالبكاء لأنّي أحسست بأنّ ساعتي قد دنت ... لأنّي اعتقدت أنّ ملاك الموت جاء ليقبض روحي أنا الغارق في الظلمة ... فرحت أصرخ : مصيري الجحيم ... مصيري الجحيم ... قضي عليّ ...ولا أعرف ما هي القوّة التي زحزحتني ، ربّما لأنّي ميتٌ لا محالة ، ولا مكان أهرب منه أو إليه ...
ففتحت الباب ، ومن كان أمامي ، من ؟...هذه الكلمة الأخيرة التي قلتها ؟... وأمّا أخي الأكبر ، المسيح ابن الّله ، فعانقني بشدّة ، بلهفة من أتعبته سنون طوال من الشوق ...عانقني أنا الذي تفوح منه رائحة البشر ...عانقني بثياب ملكه أنا الحقير ، الخائن ...
عانقني ، فطهرت من خطيئتي ...ثمّ مسح عن عيوني الدموع ، وقال :
بحثت عنك في البرّية ، في كلّ جبلٍ ووادٍ ، وها أنت !؟...
لن تصدّق كم أنّ فرحي عظيم ، وكم سيكون فرح الآب الذي أرسلني ...
هلمّ ، هلمّ إتبعني ...
حاولت أن أقرّ بذنوبي ، فوضع يده على فمي ، وقال بابتسامةٍ عريضة : أعرف ... أعرف ... أنت من كنت ضالّاً فوجدتك ... أنت من كنت ميتاً فإلى الحياة تعال ...
وما لبث أن نظر في عينيّ وقال : قم واجمع معي ...
إتبعني فلا تموت أبدا ...
فقلت : أنا لك يا ربّ ...
فرحل مبتسماً ، وبقيت فيّ روحه ... فرقصت جذلاً ، على صوت قرع أجراسٍ قريبةٍ وبعيدة ... وفي الصباح استفقت ، فرأيت العالم جديداً ...

No comments: